اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 370
بيوسف الى الصحراء فاشتغلوا أولا بضربه وشتمه والقهر عليه وانواع العذاب والعقاب وكادوا ان يقتلوه ظلما وعدوانا قال لهم يهودا أنتم قد عهدتم ان لا تقتلوه فما هذه المبالغة والاشتداد في زجره ايها الجاهلون المفرطون اما تستحيون من الله وَبعد ما قال لهم يهودا هذا أَجْمَعُوا واتفقوا على أَنْ يَجْعَلُوهُ ويطرحوه فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وهو جب مشهور بجب يوسف على ثلثة أميال من صفد يعقوب قريب بجسر يقال له جسر يعقوب بفرسخ تقريبا فقربوه على الجب وعزموا على القائه فيها فتعلق يوسف بشفير البئر فربطوا يديه ونزعوا منه قميصه ليلطخوا بالدم الكذب فالقوه مربوطة اليدين على الماء وكان فيها صخرة عظيمة فجلس عليها عريانا قلقا حائرا حزينا مضطربا مستوحشا وَبعد ما القوه وقضوا الوطر عنه قد أزلنا وحشته وكربه عنه عناية منا إياه بان أَوْحَيْنا وألهمنا من مقام لطفنا وجودنا إِلَيْهِ لا تغتم ايها الصديق الصدوق من صنيع هؤلاء الغواة الهالكين في تيه الحسد والعناد انا بمقتضى كرمنا وإحساننا لنفضلنك عليهم ونمكننك على انتقامهم بحيث لَتُنَبِّئَنَّهُمْ وتحدثنهم أنت معاتبا عليهم منتقما منهم بِأَمْرِهِمْ هذا معك وحيلتهم ومكرهم مع أبيك وَهُمْ في تلك الحالة لا يَشْعُرُونَ انك يوسف لعلو شانك وارتفاع قدرك وسلطانك اصبر ايها الصديق على أذاهم في الحال فان لك السطوة والسلطنة عليهم في المآل
وَبعد ما فعلوا بيوسف ما فعلوا قد جاؤُ أَباهُمْ ملتبسين محتالين عِشاءً في آخر اليوم يَبْكُونَ صائحين صارخين فزعين فجعين تغريرا على أبيهم وتزويرا
فلما سمع يعقوب صياحهم واضطرابهم فقال ما لكم واين يوسف قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ ونتسابق بالعدو والرمي واستمر تسابقنا زمانا وَقد تَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا لحفظها فغفلنا عنه بغرور السباق فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وكنت قد تطيرت من أول الأمر فوقع وَقد كنا نعلم منك يا أبانا ما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ مصدق لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ فيما أخبرنا لك لسوء ظنك بنا وفرط محبتك بيوسف
وَبعد ما تفرسوا منه الإنكار والاستبعاد جاؤُ عَلى قَمِيصِهِ اى معه بِدَمٍ كَذِبٍ يعنى جاءوا حال كونهم مثبتين لدعواهم بدم كذب ملطخ بقميصه مفترين بالذئب بانه قد اكله وبعد ما جاءوا بالقميص الملطخ طلبه منهم أبوهم فألقاه على وجهه فبكى بكاء فظيعا فجيعا وتمادى في البكاء زمانا طويلا حتى احمر وجهه من الدم الملطوخ به ثم كشف القميص فرآه لم يمزق فقال ما رأيت ذئبا احلم من هذا الذئب قد أكل ابني ولم يمزق قميصه ثم قالَ متوجها إليهم ما جئتم به معتذرين على ليس بمطابق للواقع بَلْ قد سَوَّلَتْ زينت وسهلت لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً بإلقاء الشيطان وتعليمه إياكم لتعتذروا به على فَصَبْرٌ جَمِيلٌ أجمل على فيما ابتليت به وما امرى وشأنى سوى هذا وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى احتمال ما تَصِفُونَ بألسنتكم ايها المسرفون المفسدون المفرطون إذ لا طاقة لي بحمله الا بعون الله واقداره
وَبعد ما مضى ثلثة ايام على الإلقاء جاءَتْ سَيَّارَةٌ رفقة وقفل عظيم يسيرون من مدين الى مصر فنزلوا قريب الجب فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ الذي قد كان يرد الماء للاستقاء وهو مالك بن ذعر الخزاعىّ فَأَدْلى دَلْوَهُ وألقاها لإخراج الماء فتدلى بها يوسف فأخرجها فرآه قالَ مستبشرا فرحانا يا بُشْرى تعالى فهذا أوانك إذ هذا الذي قد خرج في الدلو بدل الماء غُلامٌ صبيح مليح في كمال الصباحة والملاحة وَبعد ما أخرجه هو ومن معه من رفقائه أَسَرُّوهُ واخفوا امره ليكون بِضاعَةً لهم وقت
اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 370